روسيا تتقدّم سريعاً في ساحة المعركة لتكسب ورقة قوة في المفاوضات
كونستان ميهو- نيويورك تايمز
Wednesday, 13-Aug-2025 07:30

تسعى القوات الروسية إلى إعادة تشكيل ساحة المعركة بما يخدم مصالحها، قبل قمة عالية المخاطر بين الرئيسَين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وذلك من خلال تحقيق تقدّم سريع في شرق أوكرانيا بعد أشهر من القتال المرهق.

في الأيام الأخيرة، اخترقت القوات الروسية جزءاً من خط الدفاع الأوكراني قرب مدينة بوكروفسك، وهي معقل قديم، وتقدّمت عدة أميال داخل الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا، مهدّدةً بتطويق مواقعها.

 

وكشف فريق «ديب ستيت»، المجموعة الأوكرانية المرتبطة بالجيش التي ترسم خرائط المعارك: «الوضع فوضوي للغاية، إذ إنّ العدو، وبعد أن وجد ثغرات في الدفاع، يتسلّل عميقاً في الداخل، محاولاً بسرعة تثبيت موطئ قدم وتجميع قوّاته لمزيد من التقدّم».

 

وأعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنّ الروس «يُعيدون نشر قواتهم وعتادهم بأسلوب يوحي بالتحضير لعمليات هجومية جديدة»، وإنّهم «لا يستعدّون لوقف إطلاق النار أو لإنهاء الحرب».

 

من جهتها، تسعى أوكرانيا أيضاً لكسب ورقة ضغط قبل محادثات السلام الروسية-الأميركية المقرّرة الجمعة في ألاسكا، بتكثيف هجماتها على مصافي النفط الروسية، مضاعفةً رهانها على استراتيجية الضغط على موسكو لتقديم تنازلات خلال المفاوضات، عبر استهداف المصدر الرئيسي لإيرادات الكرملين لتمويل الحرب.

 

استغلال الطرفَين لزخم ميداني مع اقتراب محادثات السلام هو تكتيك متكرّر في هذه الحرب وحرب 2014. ففي حزيران، نفّذت أوكرانيا هجمات جريئة بطائرات مسيّرة في عمق الأراضي الروسية دمّرت خلالها عدداً كبيراً من القاذفات الاستراتيجية، قبل يوم واحد من مفاوضات إسطنبول. وفي عام 2015، صعّدت روسيا القتال أثناء محادثات وقف إطلاق النار، وحاصرت بلدة ديبالتسيف في الشرق، لانتزاع تنازلات سياسية من كييف.

 

ويوجّه الدفع الروسي الأخير قرب بوكروفسك، في منطقة دونيتسك، تحذيراً صارخاً بأنّ القوات الروسية لا تزال قادرة على تحقيق مكاسب سريعة ميدانياً. ويأتي ذلك في وقت يُتوقع فيه أن يطرح بوتين على ترامب مطالب كبرى خلال المحادثات، قد تشمل الإصرار على أن تتنازل أوكرانيا عن الجزء من منطقة دونيتسك الذي لا يزال تحت سيطرة كييف.

 

الآن أصبحت بوكروفسك، التي كانت يوماً مركزاً لوجستياً حيَوياً للقوات الأوكرانية في الشرق، شبه مطوّقة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. ويضطرّ الجنود الأوكرانيّون إلى المرور عبر ممرّ ضيّق طوله 10 أميال لدخول المدينة، ما يجعلهم عرضة لهجمات الطائرات المسيّرة. ويُرجّح أن تسعى القوات الروسية إلى إحكام الطَوق على المدينة لإجبار القوات الأوكرانية على الانسحاب، وهو تكتيك استخدمته للسيطرة على مدن أخرى.

 

وأوضح باسي باروينن، المحلل في مجموعة «بلاك بيرد» الفنلندية المتخصّصة في تتبّع تحرّكات المعارك، أنّ القوات الروسية تسلّلت بسرعة عبر الخطوط الأوكرانية إلى عمق نحو 10 أميال خلال الأيام الثلاثة الماضية، ما يختلف عن الوتيرة البطيئة المعتادة لموسكو. وأضاف أنّ «الـ24 إلى 48 ساعة المقبلة ستكون على الأرجح حاسمة» في ما إذا كان الجيش الأوكراني سيتمكن من احتواء الهجوم.

 

وعلى رغم من استمرار القتال، يحاول الطرفان إظهار التزامهما بالسعي إلى السلام أمام ترامب، الذي طالما شجب الحرب بوصفها إهداراً مُكلِفاً للأرواح والموارد.

 

وبعد أن كثفت روسيا هجماتها بالطائرات المسيّرة على المدن الأوكرانية خلال محادثات الشهر الماضي بين موسكو وواشنطن، تغيّرت نبرة ترامب المعتادة المتساهلة تجاه بوتين بشكل ملحوظ، مشيراً إلى أنّه: «يتحدّث بلطف ثم يقصف الجميع في المساء، وهذه مشكلة صغيرة. لا يعجبني ذلك».

 

لكن منذ بداية آب، قلّصت روسيا بشكل كبير هجماتها بالطائرات المسيّرة في ما وصفه محلّلون بأنّه محاولة واضحة لاستمالة ترامب. ففي حين أطلقت روسيا في تموز متوسط 201 طائرة مسيّرة كل ليلة (رقم قياسي في الحرب)، انخفض العدد هذا الشهر إلى 78 طائرة مسيّرة كل ليلة، وفق تحليل أجرته «نيويورك تايمز» لبيانات سلاح الجو الأوكراني.

 

وأوضح أولكسندر كراييف، مدير برنامج أميركا الشمالية في مركز «بريزم» البحثي في كييف: «الروس يعرفون جيداً كيف يقرأون عقل ترامب، وليس من قبيل الصدفة أنّ الهجمات بالطائرات المسيّرة قد انخفضت».

 

جُنِّبت كييف، التي تعرّضت إلى ضربات قاسية هذا الصيف، من الهجمات إلى حدٍّ كبير منذ بداية آب، إذ باتت صفارات الإنذار تنطلق لفترات وجيزة في الليل ولا تتجاوز ساعة في معظم الأحيان.

 

وعندما زار المبعوث الخاص لترامب إلى أوكرانيا، الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، البلاد لبضعة أيام الشهر الماضي، خفّفت روسيا هجماتها بالطائرات المسيّرة بشكل ملحوظ، ما دفع الأوكرانيِّين إلى تسميَته مازحين «درع كيلوج». ولفت زيلينسكي آنذاك إلى أنّ «الجنرال كيلوج وصل إلى أوكرانيا، ولم تحدث هجمات صاروخية ضخمة ليلتَين متتاليتَين، وهذا يعني شيئاً واحداً: بوتين يخاف من أميركا».

 

لكن مع تاريخ ترامب في إظهار المهادنة لبوتين، تخشى كييف أن ينجح الروس في استمالة ترامب لرؤيته الخاصة بالحرب عبر الحصول على لقاء ثنائي قد يهمّش زيلينسكي.

 

ويؤكّد الكرملين منذ فترة طويلة أنّ إنهاء القتال يجب أن يعالج ما يُسمّيه «الأسباب الجذرية» للحرب، وهو تعبير مختصر لمجموعة من القضايا، منها وجود أوكرانيا كدولة مستقلة ذات سيادة متحالفة مع الغرب.

 

ولتفادي هذا السيناريو، حشدت كييف حلفاءها الأوروبيِّين للضغط على إدارة ترامب لمنع روسيا من فرض شروطها على محادثات السلام. وجاء في بيان أصدرته جميع دول الاتحاد الأوروبي، باستثناء المجر، أنّ «طريق السلام في أوكرانيا لا يمكن أن يُقرَّر من دون أوكرانيا».

 

وكشف زيلينسكي أنّ اجتماعاً ثلاثياً مع ترامب وبوتين سيُعقد في المستقبل، لكن لم يُحدَّد موعده بعد. وأكّدت إدارة ترامب أنّها تعمل على ترتيب الاجتماع.

 

وسينضمّ عدة قادة أوروبيِّين إلى جانب زيلينسكي في اجتماع عبر الإنترنت مع ترامب اليوم. وكشف المستشار الألماني فريدريش ميرتز، أنّ المناقشات ستُركّز على «خيارات الضغط على روسيا»، وعلى التحضير لمفاوضات سلام محتملة، وعلى قضايا المطالب الإقليمية والأمن.

الأكثر قراءة